المشهد الإستراتيجى العسكرى فى الشرق الأوسط وتداعياته على مصر.
تتشابك خيوط الصراع فى الشرق الأوسط بين قوى دولية وإقليمية وفواعل غير دولة، مما يجعل المنطقة ساحة معقدة للصراع بالوكالة، حيث تُستخدم الأيديولوجية والدين كأدوات لتعزيز النفوذ وإضعاف الخصوم.
فى قلب هذا المشهد، تبرز المواجهة بين إيران وإسرائيل كصراع وجودى يتجاوز الحدود التقليدية للحروب، ليتحول إلى حرب متعددة الأبعاد تشمل المحاور العسكرية والسياسة والإقتصادية وحتى الحروب السيبرانية.
إسرائيل المدعومة من التحالف الغربى بقيادة الولايات المتحدة ويمينها المتطرف وعلى رأسه البلطجى ترامب، تمتلك تفوق تكنولوجى وعسكرى يعتمد على أحدث أنظمة التسليح، وأنظمة القيادة والسيطرة المتطورة C4ISR، المدعوم بقواعد عسكرية أمريكية متقدمة فى قطر (قاعدة العديد والسويلة)، والقواعد فى البحرين والكويت، هذه الشبكة من القواعد العسكرية تشكل نظام إنذار مبكر ودعم لوجستى ومعلوماتى للعمليات الإسرائيلية؛ فضلاً إلى كونها مخزون إستراتيجى غير مُعلن.
هذا الدعم المطلق يمكن إسرائيل من تنفيذ ضربات إستباقية بعيدة المدى، كما حدث فى الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، والتى نفذتها وفقاً لتقارير عالمية بعدد ٢٠٠ طائرة F-35، رغم الإعلان الرسمى عن إمتلاك إسرائيل لعدد محدود من تلك الطائرات، مما يشير إلى وجود دعم خارجى، وتعاون إستخباراتى مع دول خليجية وفرت الممرات الجوية؛ رغم إتفاقية الدفاع المشترك بين قطر وإيران (2009)، هذا يؤكد تعقيد التحالفات، حيث تتداخل المصالح مع الولاءات الإيديولوجية؛ ومع صعود كيانات مثل “الجولاني” (المدعوم سابقاً من أمريكا حسب تصريحات السفير الأمريكى فى سوريا) يشير إلى إعادة هيكلة المنطقة لصالح جماعات مسلحة غير دولة، مما يزيد من عدم الإستقرار.
وفى المقابل تعتمد إيران على إستراتيجية الردع غير المتماثل، من خلال شبكة من الحلفاء المنتشرة فى المنطقة، واكثرهم تاثير باكستان بما تملكة من انظمة متطوره، بالاضافة الى حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والميليشيات الشيعية فى العراق وسوريا، مما يحول المنطقة إلى ساحة حرب بالوكالة؛ لكن هذه الإستراتيجية تواجه تحديات داخليه جسيمة بإيران، أبرزها الثغرات الأمنية الداخلية والإختراقات المتكررة، المتجسدة فى إستهداف قادة عسكريين وعلماء إيرانيين، بالإضافة الى الحصار التكنولوجى الذى يعيق تحديث ترسانتها العسكرية؛ والأخطر من ذلك التصدعات الداخلية فى النظام الإيرانى، حيث تتنامى المعارضة بين من يرون أن سياسات الملالى تدفع البلاد نحو العزلة والإنهيار الإقتصادى.
إذا إنهار النظام الإيراني ونتمنى أن لا يحدث هذا، فإن التداعيات لن تقتصر على حدود إيران، بل ستخلق فراغ جيوسياسى تستغله أنصار النظام السابق المدعومين غربياً، والميليشيات الشيعية المسلحة، والجماعات السنية المتطرفة مثل داعش والقاعدة، إلى جانب تدخلات إقليمية من تركيا، إسرائيل، والسعودية، مما سيؤدى إلى حالة فوضى تضرب المنطقة بأكملها؛ مصر ستكون فى قلب هذه الأزمة، حيث ستواجه تحديات مضاعفة على جميع حدودها.
ففي الغرب وامتداد الحدود 1200 كم، تتحول ليبيا إلى بؤرة صراع بين ميليشيات مدعومة من تركيا وأخرى موالية لروسيا، مع خطر تسرب أسلحة متطورة إلى الحدود المصرية؛ وفي الجنوب يتصاعد النفوذ الإسرائيلى- الإماراتى فى السودان، مما يهدد بزعزعة الإستقرار فى مثلث (حلايب شلاتين أبو رمادا)؛ بالإضافة إلى الصراع الدائر حاليا قرب المثلث الحدودى المصرى الليبى السودانى بين عصابات حمديتى وجيش حفتر، أما على الإتجاة الإستراتيجى الشمال الشرقى فإن أى تصعيد فى غزة أو إنهيار للوضع فى إيران قد يدفع حماس وغيرها من الفصائل إلى إستخدام ورقة المعابر كأداة ضغط لزعزعة الأمن المصرى.
وبالنظر المتأنى فى المشهد نجد الأمر لا يتعلق بمجرد صراع عسكرى تقليدى بين دولتين، بل يتضمن حرب شاملة على الجبهة الداخلية المصرية، حيث تُستخدم الحرب النفسية والعملاء مثل أحداث الإسماعيلية أو تحركات “قافلة الصمود” العميلة كأداة لإستنزاف الدولة من الداخل واحداث تأثير حاد ممنهج فى الداخل المصرى فى وقت متزامن مع كل تلك الأحداث.
فى أوقات الحرب، لا مكان للمعارضة التقليدية؛ النقد البناء مسموح، لكن التقليل من قدرات الجيش أو الدولة يُعتبر خيانة؛ وهنا يصبح قمع أى محاولات لزعزعة الإستقرار واجب وطني، عبر تشديد الرقابة على التمويل الأجنبى للمنظمات المشبوهة، وتفعيل قوانين الخيانة العظمى ضد كل من يحاول تقويض الجيش أو الدولة.
مصر خط الدفاع الأخير ضد الفوضى، وهو ما يتطلب تعبئة كافة الموارد الوطنية، وتوحيد الصفوف، ورفع شعار “النصر أو الشهادة”، فمصر ليست دولة عابرة فى هذه المعادلة، بل هى حصن الأمة الأخير، وسقوطها يعنى سقوط المنطقة بأكملها فى بركان العنف والدمار.
الرسالة الأخيرة: “الوقت ليس وقت أخطاء… الوقت وقت حرب” مصر تواجه تحديات وجودية، والبقاء صامداً يتطلب منا جميعاً دعم الجيش والقيادة السياسية دون تردد؛ أى صوت يزرع الإنقسام هو جزء من الحرب النفسية.
الهدف واضح البقاء أو الفناء… والإختيار ليس خياراً.