الرئيسيةأخبار“أسمتها حيدر” الحرب العالمية الجارية والموقف الإيراني – النصر أو الموت..بقلم/ د. صلاح السروي…موقع صاحبة الجلالة
أخبارمقال

“أسمتها حيدر” الحرب العالمية الجارية والموقف الإيراني – النصر أو الموت..بقلم/ د. صلاح السروي…موقع صاحبة الجلالة

 

تطورات مهمة تطرأ على الموقف الإيراني – النصر أو الموت
انتقلت السياسة الإيرانية من وضعية الاستعداد الدائم للتفاوض، وبذل كل الجهود لمنع الانزلاق الى حرب، على النحو الذي شهدناه خلال السنوات السابقة، وبخاصة، الشهر السابق على اندلاع هذه الحرب. انتقلت السياسة الإيرانية من تلك الوضعية السلمية المهادنة، الى وضعية المنازلة الحربية الكاملة التي تعني انخراط البلاد برمتها في حالة الحرب. ولقد كان المؤشر الأكبر على ذلك متمثلا في قيام السيد خامنائي (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران) بتسليم السلطة الى المجلس الأعلى للحرس الثورى الإيراني، وتفويضه بكامل صلاحياته الدستورية. بما يعني أن السلطة قد انتقلت فعليا من المرشد الأعلى الى سلطة الحرس الثوري. والحرس الثوري ليس جيشا عسكريا بالمعنى المعروف. فهو تكوين نظامي آخر، مواز للجيش الإيراني الذي يشبه باقي الجيوش في العالم. أما الحرس الثوري فهو جيش عقائدي، مهمته الأساسية حماية الثورة الإسلامية ونهجها، وليس مجرد المشاركة في حماية البلاد. والحرس الثوري في ايران، يعد أقوى الجهات الأمنية، فهو لا يخضع لأوامر وزير الدفاع، بل يأتمر، مباشرة، بأوامر المرشد الأعلى شخصيا. ولذا يمكن وصفه بأنه جيش المرشد، أو “جيش الامام”، كما يمكن أن نطلق عليه. ولذلك فهو أكثر الجهات المتنفذة في ايران تشددا وعقائدية، وعناصره ليسوا مجرد عسكريين عاديين بل هم عسكريون ينطلقون من مفاهيم وتعاليم جهادية، تقوم على فكرة الاستشهاد والموت في سبيل المعتقد. حيث يتم اعدادهم على أسس عقائدية صارمة.
ولقد جاء هذا التطور اللافت مصحوبا بتصريح المرشد الخامنائي بعبارة: “باسم حيدر نبدأ المعركة”. وهي عبارة لافتة واستثنائية تعني الكثير من الناحية العقائدية والوطنية. وأن الأمور قد انتقلت في ايران الى مستوى آخر جديد تماما، عما كان سابقا. وذلك على النحو التالي:
أولا- تفويت الفرصة على التهديدات التي أطلقها ترامب بامكانية اغتيال السيد خامينائي، فاذا تم هذا الاغتيال فانه لن يتسبب في أية ارتباكات على مستوى السلطة في ايران، لأن السلطة قد انتقلت فعليا الى مجلس كامل وليس الى شخص فرد.
ثانيا- أن السلطة الآن قد أصبحت بيد مجلس الحرب العسكري الخاص بالحرس الثوري الايراني، بما يعني وضع البلاد كاملة تحت الحكم العسكري. وهو ما يفيد بأن ايران قد دخلت فعليا ورسميا في حالة الحرب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأن كل الموارد قد أضحت مكرسة للمجهود الحربي. وهو ما يعني ببساطة تقف في موضع أبعد ما تكون عن الاستسلام.
ثالثا: اطلاق اسم “حيدر” (وهو كنية الامام على بن أبي طالب) على المعركة، انما هو اجراء يأتي متسقا تماما مع هذا السياق. بما يعني منح الحرب سمة دينية خالصة تستدعي المنحى البطولي الذي تمثله رمزية الامام “علي” في الوعي الشعبي الإيراني المنتمي، في غالبيته الى المذهب الشيعي. وبخاصة في إشارة الى الموقف المرتبط بالحالة الراهنة، من حيث أن الامام علي هو الذي نزع باب حصن خيبر الذي كان يختبئ وراءه (اليهود) في حصنهم الذي دمره المسلمون، بقيادة النبي محمد (ص). فضلا عما تمثله شخصية الامام علي، بحد ذاتها، من رمزية بطولية واستشهادية، شديدة العمق والتأثير، في الوجدان الشعبي الشيعي.
فضلا عن أن دلالة اطلاق هذا النداء يعد نوعا من الاستنهاض العاطفي للمشاعر الدينية للشيعة خارج ايران، وهم يتواجدون بالملايين في معظم دول الجوار وخارجها.
ولا يتناقض هذا المنحى الأيديولوجي (الديني) مع المنحى (الوطني) الفارسي الحاضر أيضا بقوة في الخطاب السياسي الإيراني. فهذا المنحى الوطني يقوم على الاعتزاز بالانتماء الى الأمة الفارسية العريقة. وهذه الخلطة بين (الديني) و(الوطني) تعد من السمات المميزة لطبيعة الوعي السياسي الذي صاحب تطور الأمة الفارسية عبر التاريخ. تحديدا، منذ قيام الدولة الصفوية في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث تحول الانتماء الشيعي الى نوع من الأيديولوجيا الوطنية الجامعة.
رابعا: أن الحرب قد أضحت بذلك تحمل سمة صفرية، بمعنى أنها وصلت الى مستوى انعدام إمكانية قبول أي حديث عن المفاوضات أو الحلول الوسط، خاصة بعد أن تبين تلاعب ترامب بالايرانيين، من خلال ادعاء التفاوض، بينما قامت إسرائيل بضربتها المباغتة. ولذا فقد وصل الإيرانيون الى حالة: “اما النصر أو الموت”، أو “أكون أو لا أكون”. وهذا الشعور الملحمي عرفته وعاشته الشعوب الإيرانية، كثيرا، على مدار تاريخها القديم والحديث، ولقد جسدته سيرة الامام الحسين ومظلمته الشهيرة، (وهي تعد عماد المذهب الشيعي ومنطلقه العقائدي التاريخي). ولقد تجسد هذا المنحى الملحمي، في أجلى صورة، في أحداث ملحمة “الشاهنامة”، للشاعر الفارسي المعروف: الفردوسي.
خامسا: من الواضح أن ايران تمتلك قدرا هائلا من الثقة بالنفس وبقدرات الدولة والجيش الإيرانيين. كما أنها تمتلك، أيضا، قدرا ليس قليلا من الثقة في قوة وإخلاص الحلفاء.
سادسا: أن ايران تعي تماما أن تراجعها واستسلامها لن يعني سوى فنائها واذلالها، ونموذج العراق وليبيا و(سوريا، بعد رحيل بشار) ليس ببعيد عن ذاكرتها. فكل هؤلاء قبلوا، بدرجات مختلفة، الاستسلام للتفتيش الدولي، والتفريط في المقدرات النووية والصاروخية، ولم يغنهم ذلك عن الاذلال والدمار شيئا.
كل ذلك يعني أن ايران قد أصبحت بعيدة كل البعد عن احتمالات الاستسلام على النحو الذي يدعوها اليه ترامب في تصريحاته الأخيرة. ويعني أنها تقدم نوعا دامغا من الاستجابة العكسية للتصعيد الذي بدأه ترامب والصهاينة، بتصعيد أعلى. كما يعني أن الحرب، بالنسبة للايرانيين، قد أصبحت حرب بقاء ووجود، من وجهة النظر الإيرانية. ولذلك فانها تحتشد لها بأكبر قدر ممكن من رباطة الجأش والروح البطولية، عن طريق استدعاء كل الرموز المحفزة على القتال والنصر، والاستعداد الدائم لدفع الأثمان.

د.صلاح السروي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *