الرئيسيةأخبارالهند وباكستان وصراع الرعب النووي…موقع صاحبة الجلالة
أخبارثقافة و فنون

الهند وباكستان وصراع الرعب النووي…موقع صاحبة الجلالة

 

يشكل التصعيد العسكري بين الهند وباكستان نموذج كلاسيكي للصراع في ظل توازن الرعب النووي، حيث تتفاعل عوامل الجيوسياسة والإستراتيجية العسكرية، والديناميكيات الداخلية لتوليد سيناريوهات مقلقه ومتعددة الأبعاد.
يتمحور هذا الصراع حول منطقة إقليم كشمير، التي لا تزال تمثل بؤرة التوتر الرئيسية، بسبب الطبيعة غير المحسومة لحدودها، والإدعاءات التاريخية المتبادلة، مما جعلها ساحة صراع دائمة بين قوتين نوويتين تمتلكان مجتمعتين ما يقارب 300 رأس حربي، الأمر الذى يضع المنطقة على حافة كارثة إستراتيجية في حال إختراق عتبات الردع.

بدأ التصعيد الأخير بهجوم 22 أبريل 2023 في كشمير الهندية، والذي أسفر عن مصرع 26 شخص، حيث نسبت نيودلهيهذا الهجوم إلى جماعة جيش محمد المدعومة من قِبل باكستان بحسب مزاعمها.
أدى ذلك إلى سلسلة من الإجراءات الإنتقامية الهندية التي تجاوزت الرد العسكري المباشر إلى فرض عقوبات إقتصادية وسياسية شاملة، منها تعليق إتفاقية تقسم مياه نهر السند، وهو إجراء يهدد أمنها القومى، ويضرب قطاع الزراعة الباكستاني في الصميم، بالإضافة إلى إغلاق الحدود البرية والجوية وطرد الدبلوماسيين الباكستانيين. ومن الناحية العسكرية، تصاعدت حدة الإشتباكات عبر خط السيطرة (LoC) مع تبادل القصف المدفعي، بينما شهدت الجبهة الجوية إسقاط طائرة مسيرة هندية من قبل الدفاعات الباكستانية، مما يعكس تصعيداً في حرب الاستنزاف التكنولوجي بين الطرفين.

على المستوى الإستراتيجي الأعمق، تبرز عدة أبعاد رئيسية لهذا الصراع.
أولًا: البعد النووي الذي يظل العامل الحاسم في تحديد سقف المواجهة، حيث تمتلك كل من الهند وباكستان ترسانات نووية قادرة على إحداث دمار شامل، مع تطور أنظمة حمل وإطلاق متطورة مثل صواريخ “ناسر” الباكستانية و”براهموس” الهندية، مما يجعل أي تصعيد غير محسوب محفوفاً بمخاطر غير مسبوقة.
ثانياً: البعد الجيوسياسي الذي يتجلى في تحالفات إقليمية ودولية معقدة، حيث تقف الصين كحليف إستراتيجي لباكستان عبر مشروع الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، بينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على توازن مُزيف بين دعم الهند كحليف إستراتيجي ضد الصين، وضبط التصعيد خشية إنفلات الوضع والتصعيد النووى؛ في المقابل يبدو الدور الروسي محدوداً بسبب إنشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، رغم عرضها الوساطة.

ومن الناحية الإقتصادية، تتفاوت تداعيات الأزمة بين البلدين، حيث تشهد باكستان أزمة مالية حادة مع إنهيار البورصة بأكثر من 3000 نقطة، وتراجع كبير في قيمة الروبية، في حين يبدو الإقتصاد الهندي أكثر مرونة بسبب حجمه الكبير وتنوعه، رغم أن إستمرار التوتر قد يؤثر على الإستثمارات الأجنبية المحتملة. وعلى الصعيد الإقليمي، يمتد تأثير هذا الصراع إلى الشرق الأوسط، حيث يمكن أن يشكل تهديد غير مباشر لمصر عبر تعطيل حركة الملاحة في قناة السويس في حال إمتداد الأزمة إلى بحر العرب، ناهيك عن الإرتفاع المحتمل في أسعار النفط الذي سيضغط على الإقتصاد المصري المستورد للطاقة.

في ظل هذه المعطيات، تبرز ثلاثة سيناريوهات إستراتيجية رئيسية:
🔹الأول هو سيناريو التهدئة المؤقتة عبر ضغوط دولية من قبل القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤدي إلى إعادة فتح الحدود تدريجياً والعودة إلى حالة اللا حرب غير المستقرة.
🔹الثاني هو سيناريو التصعيد المحدود، حيث تستمر المناوشات العسكرية المتقطعة دون الوصول إلى حرب شاملة، لكن مع إستمرار تأجيج الخطاب العدائي بين الجانبين.
🔹الثالث والأخطر هو سيناريو التصعيد غير المحسوب، الذي قد ينشأ عن خطأ استخباراتي أو عملية عسكرية غير مدروسة، تدفع نحو حرب نووية محدودة، وهو سيناريو سيكون له عواقب كارثية تتجاوز جنوب آسيا إلى العالم بأسره.

يمثل التصعيد الحالي إختباراً حاسماً لنظرية الردع النووي في بيئة متعددة الأقطاب، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية بشكل معقد؛ يتطلب هذا الوضع تدخل دولي سريع وفعال لإحتواء الأزمة، مع ضرورة قيام مصر ودول الشرق الأوسط بمراقبة التداعيات الإقتصادية والأمنية عن كَثب، خاصة فيما يتعلق بأمن الممرات المائية وإستقرار أسواق الطاقة.
تبقى الديناميكيات العسكرية والسياسية في تطور مستمر، مما يستدعي تحديث التحليلات الإستراتيجية وفقاً للمستجدات الميدانية والدبلوماسية.
لواء أح دكتور/ أحمد عبد البر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *