في خضم العصر الرقمي، أصبحت معركة الأفكار والعقول هي الجبهة الأكثر خطورة؛ الحرب الإدراكية ،ذلك النمط الحديث من الصراع، لم يعد خيالاً علمياً، بل واقعاً يُهدد كيان الأمم، ويستهدف العقول قبل الحدود.
وفي هذا المضمار، تواجه مصر بتراثها الحضاري العريق وشعبها العظيم تحدياً وجودياً، حرباً غير مرئية تُشن عبر الخوارزميات والبيانات؛ تهدف إلى إختراق الوعي الجمعي، وتفكيك الثقة المجتمعية، وإعادة تشكيل الحقائق وفق أجندات معادية.
أصبح الذكاء الاصطناعي ذلك (الجنرال الخفي) في هذه المعركة، يُحلل مليارات البيانات لإستخراج نقاط الضعف النفسية والإجتماعية للأفراد والمجتمعات؛ ومن خلال الهندسة الإجتماعية المتطورة، تُصمم حملات تأثير دقيقة، تُغذي عقول الشباب بأخبار زائفة، سرديات مُحرّفة، ومحتوى عاطفي مُعدّ لإستهداف الثوابت الوطنية؛ والهدف زعزعة الإيمان بالهوية المصرية، وتقويض الإنتماء، وخلق فتنة داخل النسيج المجتمعي الواحد.
التحدي الأكبر ليس في محاربة الأفكار المضللة فحسب، بل في حماية العقلية النقدية ذاتها، فالحرب الإدراكية لا تُهاجم ما نعرفه، بل تستهدف أسلوب تفكيرنا ذاته.
فمن خلال جبهة التضليل والاستقطاب المتمثله فى الخوارزميات، تعمل منصات التواصل الإجتماعي كساحات قتال افتراضية، حيث تُستخدم الفقاعات المعلوماتية كأسلحة غير مرئية، تُحاصر المستخدمين بخطاب متطرف، يعزز الإنقسامات، ويُعمّق التحيزات، ويدفع بإتجاه تشرذم الرأي العام المصرى، وإغتيال الوحدة الوطنية حصن الأمة المنيع.
فقد أمست المعلومات المضللة لا تُباع بالكلمة فقط، بل تُغرس في العقل عبر التكرار العاطفي، حتى تصبح بديلاً للواقع؛ والهوية المصرية هى الهدف الإستراتيجي لتلك للحرب الإدراكية، حيث تستهدف هذه الحروب الذاكرة الجمعية للمصريين، عبر تشويه التاريخ، وتحريف الرموز الوطنية، ونشر الإبتذال الخُلقى، وخلق سرديات بديلة تُضعف الثقة في مؤسسات الدولة، لكن مصر ليست أرضاً سهلة الاختراق، فشعبها يحمل في جيناته مناعةً حضارية صنعتها آلاف السنين من المقاومة والتحدي.
في معركة الوعي، الهوية هي الدرع، والإنتماء هو السلاح؛ وفي الحرب الإدراكية الإنتصار لا يكون بالصدفة، بل بالإرادة، من خلال كشف التضليل ومواجهة الهندسة الإجتماعية، وتعزيز المناعة الفكرية بترسيخ الهوية المصرية عبر التعليم والإعلام الوطني، وتطوير أنظمة رقمية مصرية قادرة على كشف الحملات المضادة وتحييدها؛ مع تعزيز الوحدة الوطنية كحائط صد ضد محاولات التفكيك.
مصر قلعة الوعي في عصر الفوضى الرقمية، التحدي كبير، لكن تاريخنا يُعلّمنا أن أعظم الإنتصارات تبدأ من الدفاع عن العقل قبل الأرض؛ بالعلم، الوعي، والوحدة، سنحول الذكاء الإصطناعي من سلاح ضدنا إلى أداة لحمايتنا، لأن مصر لم تُهزم قط، ولن تبدأ الآن.